نحن كدةاليوم 11:19
مذكرات أم عطية (1)
كظل شجرة وارفة الظلال، نهرع للاحتماء بظل فكاهة الخالة : أم عطية، لنتقي هجير الغربة ونتكئ إتكاءة ندري في دواخلنا أنها ( زى ضل الضحا ) ، ولكن الكحة ولا صمة الخشم.
أبنها ، كلما أحكي له قصة عن أمه، يضحك ويتحفني بإحدى نوادرها.
قال :
شهر رمضان الفائت، وبعد أن صلّت الوالدة صلاة العصر، وجدتها تضع سفة ماكنة وهي ما زالت تتمتم بأدعية ما بعد الصلاة ، قال فقلت لها :
يمة ، إنت نسيتي إنك صايمة ؟
قالت : أنسى كيفن يا الغبيان. صايمة ولله الحمد.
قال : طيب إنت سافة ليه؟
قالت وسلطان الكيف يبدد نعاسها : شن جاب الصعوط مع الصوم ؟بطل الفلفسة الفارغة دي.
يمة ، الصعوط من المكيفات، و دة بيبطل الصوم.
قالت بعصبية : شوف يا جنا ، أنا بصوم قبال أعرس أبوك، أمي وحبوباتي كانن بسفن وهن صايمات. بعدين ربنا ما ذكر الصعوط في القرآن ، قال الأكل و الشراب، و بس.
قال: حاولت أن أشرح لها المزيد، فقالت وهي ترفع سبابتها :
هوى يا ولد ، عروق راسي بينتحن زى وتر الطمبور ، خلي السفة التسوي المفعول حقها ، روح شوف لك شغلة كان عندك.
قال : فأخبرت كل من جاء لزيارتنا ، فكان ردها للجميع :
كدي واحد فيكم يجيب لي آية ولا حديث واحد. الصعوط لا بنبلع لا بنشرب ، بالعكس ، أنا ممكن أصومن شهرين ورا بعض مادام المكيف شغال و السفة جوة الراس. وحاتكم إنتو ، زمان رمضان يجي في عز الصيف والشمس تقول إندلّت مترين لاتحت ، و نحن بنحش في اللوبيا ، و السفة الماكنة في الخشم ، بالله تنزلق تنزل براها من الشلوفة من شدة العطش و الهجير، إلا نرفعا ونرجعا تاني بيد المنجل.
****
زوجة إبنها ، تحب أن تمازحها كثيرا ، فطلبت منها أم عطية أن تصبغ لها شعرها بالحنة ، فقالت لها زوجة إبنها أن هناك حنة في السوق مخلوطة جاهزة ، و بدلا من الحنة ، صبغت لها شعرها بصبغة سوداء ومنعمة للشعر في نفس الوقت ، فإنسابت خصلات أم عطية البيضاء سوداء حريرية ، نظرت إلى المرآة ، فصالت وجالت ، وأرغت وأزبدت ، ونظرت إلى المرآة وجفلت وهي تصرخ :
دة شنو دة يا المجنونة ؟ الناس حسه كدي ما حتاكل وشي.
ثم تنظر للمراية وتعاود الهجوم ، ورويدا رويدا خفت حدة هجومها وقالت وهي تدندن وتتحسس شعرها : شعرك ليل يا بت بليل ، شعرك حريري يا ست المِلِك الماهو ميري ، جمالك أصيل يا بت ست الجيل ، جمالك أصلو ما معقول يا أم فاطنة وبتول.
وأطلقت زغرودة مخنوقة وهي ترمي شبالا يمنة ويسرة.
ثم قالت وهي لا زالت تحتضن المراية : أريتو أبو عطية كان عايش . الأيام دي الكانت أيام العجن و الدلال كنت حأخليهو يشرب ما يروى. و الله يوم عرسي شعري ما كان كدي ، الله يخدر إيدك يا بتي.
طوال اليوم و المراية في يدها و هي تدندن بأغاني ( شي من راسا و شي من أغاني الحقيبة ).
***
تتحلق حولها الشابات في حفلات الأعراس :
أم عطية ، إنت مشيتي شهر عسل ؟
يا بتي أيام عرسي ذاتو العسل في الصحن ما شفتو. بعدين العسل دة هو شهر كامل ؟ بعد عشرة أيام الضبابين يهشوها باللسان يا بنات أمي.
وتتعالى ضحكات البنات وهي في نصهن تتربع بعد رشوتها بشوكولاتة إسنكرز للإستزادة منها. أم عطية تعشق بعد الصعوط : الآيسكريم و الشوكولاتة.
تقول و هي تلتهم الشوكولاتة : جنس دة وين كان زمان ؟ زمان الداير يحلي إلا كان يلخبط ليهو سكر مع سمن بلدي و يلحسو.
سألتها إحداهن في إحدى الحفلات :
أم عطية ، يعني إنتي ما قضيتي شهر عسل ؟
تقول : عليك أمان الله ، بعد خمستاشر يوم جاني و أنا خاتة دلكتي و كركاري و قال لي : قومي رضعي العجل داك البكورك من صباحة ربنا. بالله العجل دة أتقول أنا الوالداهو. هو ذاتو شكلو ما كان شكل عرسان ، الدلكة السووها ليهو محل ما راحت ما بعرف ، و بقى أغبش وشنباتو الكانن زى كليقة البرسيم ، بقن لاتحت زى كرعين البنبر المكسور. و أنا ذاتي من يومتا ، إيدي من كترة الشغل بقت زى مبرد الحديد ، وكت أخيط حاجة، أغز الإبرة في بطن إيدي ، أخلص شغلي و أمرق الإبرة و أخيط.
تلح أم عطية على ولدها لتذهب للسودان و ترجع بعد الدميرة ، وأنا متردد بين إقناع إبنها بضرورة ذهابها للتنفيس عن زهجها، وبين إفتقادنا لها ، فهي ملح غربتنا ، وعسله وفاكهته.
***
نتابع في الحلقة القادمة