لقد اكتسى السودان قبحا !!!
اليوم 09:41 AM
لم تعد هذه بلادى ولم يعد هؤلاء اهلى ولم يعد هؤلاء اصدقائى ولم يعد هذا عثمان سيد الدكان ولم تعد هذه هى الخرطوم ولم تعد تلك حلفا ولم يعد النيل نيلا والجروف جروفا فأين اخوتى نخيل بلادى و سواقيها ؟ وأين سنابل قمحها و اشجار هشابها وأين حجات الفول وباعات الكسرة وأين كبرى الحريه وحديقة الحيوان و ميدان ابو جنزير وأين قبر الجندى المجهول وسينما كليزيوم اين واين واين ............
لقد تبدلت بلادى مسخا و افتقدنا كل جمال امدرمان وبحرى والخرطوم وحلت علينا ثقافات غريبه وفرضيات عجيبه وركشات وامجاد ومحمود عبد العزيز وندى القلعه وضفر واتوبونج والدابى وأخوان الرئيس والصينيين
ظاهريا تبدو حياة الناس طبيعية وتلوح رافعات البناء على ضفتي النيل لتشيد المباني والابراج . وتعج المدن بالاجانب وتمتلاء الطائرات بكل الاجناس ذهابا وايابا .
وحين تحاربنا والجنوبيين طويلا تشرزمت الامه شرقا وغربا وجنوبا وشمالا وكل يستقطع نصيبه فأفتقدنا كل الجمال والذى فى الحقيقة هو دين الحكماء كما يقول شاعر هندى فهل تبقت فى حياتنا مآلات نلوذ اليها من عذابات حياة ملؤها الخوف من غد كئيب ؟ ,وهل بقى فى السودان جمال وقد اكتست كل الوجوه حزنا وعبوسا
- يقول جبران خليل جبران يا ايها الذين حاروا فى سبيل الاديان المتشعبة وهاموا فى اودية الاعتقادات المتباينة فرأوا حرية الجحود اوفى من قيود التسليم ومسارح النكران اسلم من معاقل الاتباع اتخذوا الجمال دينا واتقوه ربا فهو الطاهر فى كمال المخلوقات انبذوا الذين مثلوا التدين لهوا والفوا بين طمعهم بالمال وشغفهم بحسن المآل وياايها الذين ضاعوا فى ليل التقولات وغرقوا فى لجج الاوهام ان فى الجمال حقيقة نافية الريب مانعة الشك ونورا باهرا يقيكم ظلمة البطل تأملوا يقظة الربيع ومجئ الصبح ان الجمال نصيب المتأملين .
لا اريد اخوتى ان ينطبق على قول الشاعر ايليا ابو الماضى : والذي نفسه بغير جمـــالٍ - لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
فحقيقة لم ترى عيناى شيئا جميلا فى بلادى سوى بسمات اهلى الطيبين وكلماتهم الحنونه - زيادات مهولة فى اسعار الخبز اليومى ورطل اللبن وربطة الجرير بل كل السلع الاساسية الذرة والسكر والصابون وزيوت الطعام وتذاكر الطائرات وتذاكر البصات السفرية واللواري.
حقا فلقد اكتسى الوطن قبحا فوق قبح وليل بلادى اكثر ظلمة واسواق بلادى ملؤها الفوضى وطرق بلادى قد ازدادت وعورة والعشرات يفترشون الارض ويلتحفون السماء وما اكثرهم شبها بالبوعزيزى التونسى وقد اقتربوا من مصيره وفى ايديهم قداحات تكاد تشتعل
لم انعم اخوتى حقا بأنغام لطيور أوبحفيف لاغصان أو بخرير جداول أو بمباريات منتخب جلب لنا الحزن العميق – ولم انعم باغنيات وردى وود الامين وابن الباديه بل دعانى بعضهم لسماع الغريب العجيب من اشباه الفنانين وندى القلعه وانصاف مدنى وقد كنا ركوبا لركشة يكاد ازيزها يصيبنا بالصمم
حقا فحين كنت فى السودان خرجت علينا وزيرة الرعايه والضمان الاجتماعى لتقول أن نسبة الفقر في البلاد قد وصلت إلى (46%)، وأن الديوان يدعم حوالي (14) مليون أسرة.
والله حرام عليكى فنسبة الفقر كبيرة وكبيرة والدعم لا نكاد نسمع به ولا يراه فقراء اهلى
ولعل اكثر ما اضحكنى حين كنت هناك اعلان الحكومه أنها سوف تصدر ذهبا قيمته ثلاثة مليارات دولار عام 2011 علاوة على معادن أخرى بمليار دولار. ويقول عمال في قطاع التعدين ان الارقام الحقيقية أقل من ثلث هذا.وقال مسؤول تنفيذي اجنبي في مجال التعدين "لم يستخرج الا سبعة أطنان من السبعين طنا المتوقعة من انتاج الذهب لعام 2011 من المناجم المعتادة. الباقي ينتجه الباحثون عن الذهب الذين يصعب التحقق من انتاجهم الذي يتم تهريبه عادة الى الخارج في نهاية المطاف."
ووسط ضحكاتى وجدت أهلى يهللون فرحا
حينها لملمت اطرافى واسرعت الخطى نحو المطار هربا الى بلاد الغربة وقد عجزت كما عجز غيرى فى اخراج اهلى من شرانق الاحزان الى سماوات الافراح وقد كانوا غير آبهين بتلك العذابات ويوميات قفة الملاح
فكيف لنا اخوتى ان نلون حياتهم بكل الجمال ؟
هى دعوة من القلب نطلقها حتى يكون الاصلاح الحقيقى جسرا يحلقون به بعيدا عن كل منغصات الحياة
وهى دعوة لكل مصاصى دماء الوطن ان اتقوا الله فى الغلابه
وهى دعوة لنبذ فقه التمكين التي تطاول لأكثر من عشرين عاما وقد شرعوا له زورا بأسم فقه الضرورة
وهى دعوة لطلاق بائن بين كل الجمال وكل القبح الذى اكتسى الوجوه والانفس والثمرات
فأهلى جديرون بلقمة عيش تسد الرمق وبشربة ماء تذهب الظمأ وبحياة ملؤها الجمال
وأن الله جميل ويحب الجمال
محمد حسن شوربجى