سمعتها تدندن بأغنية حديثة.
قلت و أنا أحاول أن أداري ضحكتي : شنو الجديد يا خالة ؟
قالت وقد ارتفعت وتيرة صوتها وبحدة وغضب : الراجل القصيروني داك أبو صاحبكم، أنا قبال دة مش قلت ليهو تاني ما يجي يسلم علي ؟ لسع النص متر قاعد يدّاغل و يجي يسلم علي ناس البيت، و أنا ما بمرق أسلم عليهو، مما أسمع صوتو بقعد بطن أوضتي، لاكين هو بي طول حسو يقول يا ناس جوة سلام. أها ناس جوة ديل ياني أنا، بيقصدني أنا الغتيت دة. الزول دة جاب لي العصبي و داير يتور علي الظيران.
أم عطية ، لسبب ما، لا تحب هذا الرجل ويصيبها الضيق من اهتمامه الزائد بها، وهو رجل طيب وحنون ويهتم بكل معارفه، ورغم أنه يعرف هذا الشعور فيها، إلا أنه لسبب أو آخر يصر على زيارة بيت عطية، ربما لا يعرف تماما، أو ربما يؤمل أن تغير رأيها ويستمتع بونستها مثلنا.
واصلت أم عطية : بري بري من الزول دة ، بالو سلبة وصبرو صبر أيوب زى طه الجرافي
قلت لها ، منو طه الجرافي دة ؟
قالت : طه الجرافي دة من كترة ما بالو سلبة و صبور، قالوا مرة المركب غرّزت بيهو نص البحر في رملة، و الدنيا صيف، و الوكت كان وكت قيالة ، الشياطين ما بمرقو فيهو ، عشان ما يهجر الناس في الهجير داك و يمرقو المركب و يقطع عليهم قيالتم ، قعد لغاية العصر في المركب لغاية ما الناس المرقو لي حش القش شافوه و مرقوه. جاهم غمران من الحر.
دخلت أم عطية غرفتها، ثم عادت وهي تقضم الإسنكرز عشقها الأزلي، و قالت وهي تناولني أصبعا من الشوكولاتة وهي تقرطع الماء من كوز ألمونيوم، فهي لا تشرب أبدا من كأس زجاجية أو بلاستيكية، تقول أن هذه الأشياء تذكرها بالمستشفى :
ثم قالت: عموم أهل السودان فيهم خصلة أنا عارفاها كويس و جدودك و كبارك عارفنها كويس ، تلقى دة من قبيلة و داك من قبيلة ، و كت تجيهم عصبية القبيلة الشينة ديك ، الواحد ينقز لافوق و يسل سكينو ويتلافى عكازو ، و العيون تبقى حمرا و شرارة ، لاكين وكت الحارة يا حشاى ، أسمح من منظر السوداني يقالد السوداني مافي ، والله المنظر دة في التلفزيون دة ما لاقاني ، مش زى سلام ناس البلد دي ، بري بري يا جنا ، الرجال قداديمم مادّنها طول اليوم يبوسوا في بعض بي هنا وبي هناك ؟ أتقول فاقدين حنان ، أها شفت كيف وكت السوداني يقالد السوداني و يطبطب ليهو فوق كتفو ؟ و الله الزعلة لو كانت بي سبب رقبة ، تروح الزعلة وتنتهي.
ثم قالت في غضب : الراجل القصير دة مافي زول يقطع رجلو من هني.
ثم قامت بهدوء لتتخلص من سفتها التي تزحلقت حتى طرف فمها من كثرة الكلام
قلت لها : إن شاء الله دعيتيلنا في العمرة ؟
قالت : دعيت ليك و الله يا حشاى ، و دعيت ربنا يوفق حكامنا ويخلوا السودان بلد رايق ما فيهو مشاكل و الناس تبقى مبسوطة.
يحكي حفيدها الذي رافقها للعمرة ، أنها رأت موريتانية في سوق مكة ترتدي ثوبا بطريقة سودانية و ملامحها سودانية، فهرعت إليها أم عطية وعانقتها وانهالت عليها بالتحايا السودانية بسيل لا ينقطع من الأسئلة : كيفنك ؟ الجيتي منهن؟ لعلك طيبة ؟ عمرة مقبولة ؟ جيتي بالبحر و لا بالطيارة ؟ خريفكم قالو زينة ساكت السنة دي.
والمسكينة مذعورة تتململ ولا تستطيع الفكاك من قبضة أم عطية ، وعندما إنتهت أم عطية من سلامها المكثف، برطمت الموريتانية بلهجتها التي لم تفهمها أم عطية ، فقالت أم عطية : سجمي إنتي ما بتعرفي عربي ؟ إنت من وين يا بنيتي؟
فقال حفيدها : حبوبة دي موريتانية
قالت وهي محرجة : القبيلة دي ساكنة وين في السودان يا جنا ؟ غرب ولا شرق ولا شمالية ؟ بري من السودان دة ، قبايلو ما عندها حد ، في قبايل لسع ما عرفناها لي حسع ، اليعيش ياما يشوف
ويحكي حفيدها أيضا، أنها رأت سودانيا يلبس عراقيا وسروالا طويلا وطاقية ويجلس على الرصيف، فاقتربت منه وقالت له : يا جنا إنت قايل روحك في حواشة أبوك ؟ وكت ما جاي عمرة ، ليش ما لبست ليك جلابية و لفيت ليك عمة متل رجالنا المحترمين ؟
يقول حفيدها: حاولت أن أشدها من يدها، وهي تسترسل في إنتقاد الرجل، فوقف الرجل و قال لها ووجهه محمر من شدة الغضب : يا حاجة احترمي نفسك وروحي من قدامي
فقالت بحدة وصوت عال :أنا أحترم نفسي يا المبهدل ؟ دة منظر واحد قاعد برة بلدو ؟ و وين ؟ في مكة ؟ كمان زهجان ؟
فإلتف السودانيون حولهم ، وحاولوا تهدئة أم عطية، فقالت وحفيدها يشدها من يدها : بالله العراقي ما عندو لون من شدة الوسخ ، يقولوا علينا شنو الناس ؟
فقال لها حفيدها : يا حبوبة ، نحن مالنا و مالو ؟
فقالت : كيفن نحن مالنا و مالو ؟ مادام سوداني ، اليبقى سوداني أصيل.
***
يستتبع للحلقة الأخيرة